بحر العربية الجميل : بمناسبة مرور يوم اللغة العربية
اللغة العربية ليست حروفا جامدة أو كلمات جافة
إنها كائن ينبض بالحياة والسحر والجمال، ومعين كاشف للمعاني، ومستودع خازن للأسرار، وبستان وارف للفصاحة والبلاغة.
إنها لغة تبقى محافظة على كيانها مهما حصل لها من توسع تقتضيه مستجدات الأسماء والأشياء، فتبقى موازينها الصرفية وأساليبها التركيبية ثابتة.
بينما غيرها من اللغات قد أصابها التحريف والانحلال والاضمحلال بمرور القرون والعصور.
إنها كالمخلوقات الحية تكبر ولكن لا تتغير ملامحها، غير أن لها مزية فوق ذلك، فإنها لا تشيخ كباقي المخلوقات.
لا توجد لغة على ظهر الأرض قادرة على ترجمة تامة لعباراتها أو مقابَلة لمفرداتها، واسألوا غير العرب ممن يعرفون العربية كم يعانون حينما يترجمون من العربية إلى لغاتهم.
وسرُّ ذلك كثرة المشتركات اللفظية والمترادفات المعنوية، التي تعبر عن وجه من وجوه حيوية هذه اللغة وشموليتها.
فقد تجد في اللغة العربية الكثير من المعاني المتقاربة، ولكن لكل معنى استخدامه البلاغي.
بينما تجد في اللغة المقابلة كلمة واحدة في مقابل كل هذه المعاني، فيقع المترجم في حيرة عندما تأتي مترادفتان أو أكثر في جملة واحدة.
وكم هو رائع أن تجد في العربية حرفا واحدا يفيد معنى الفعل والفاعل معا!! مثل “ق”ِ من وقى، “ش”ِ من وشى، “عِ” من وعى، “ف”ِ من وفى.. وغيرها.
لغةٌ، جمالُ رسْمها وتناسق حروفها، وضبط مساحة كل حرف عند خطها على الورق جمال يفوق جمال اللوحات الفنية.
أما تناغم مساحاتها الصوتية وما يصدر عنها من تنغيم وتلوين بين شدة ورخاوة وهمس وجهر واستعلاء وانخفاض فإنها تطربك وتشبع ذائقتك حتى تكاد تذوب لفرط جمالها.
وإذا كانت جذور اللغة اللاتينية كلها سبعمائة جذر لغوي ، والساكسونية بها ألفا جذر، والعبرية ألفان وخمسمائة جذر والإنجليزية بها ثلاثة آلاف وخمسمائة جذر .
فإن اللغة العربية بها ستة عشر ألف جذر لغوي.
وإنك لتقف مشدوها أمام هذه اللغة وهي تتلاعب بالإيقاع الوزني والميزان الصرفي فتولِّد المعاني بأقل الحروف.
خذ مثلا “حسن” و”أحسن”، فقد زدنا حرفا واحدا، ولكن المعنى توسع كثيرا، فصار بمعنى “أكثر حسنا”، ولا نظير لذلك في لغات أخرى، واسألوا خبراء اللغات.
ولأضرب على مثلا من الإنجليزية فنقول: صعب وهي بمعنى Difficult
فإذا أضفنا الهمزة أصعب يقابلها في الإنجليزية more Difficult أي أننا احتجنا إلى كلمة أخرى لتوضح المعنى.
أمر آخر وليس الأخير، فإنك تجد ألفاظا مشتركة بين اللغة العربية وعشرات اللغات الأخرى، ولست ترى أي لغة أخرى غير العربية لها اشتراك مع هذا العدد من اللغات.
وهذا تحد كبير من اللغة العربية للغات الأخرى، مما يجعلك تجزم بأن اللغة العربية أصل وأم كل اللغات، وأنها البحر وغيرها قنوات.