أزمة غذاء تطرق أبواب العالم
مع قرب السيطرة الروسية على مدينة ماريوبول التي تعرف بمينائها الاستراتيجي على بحر آزوف المتفرع من البحر الأسود، تبرز التساؤلات مجددا عن مصير الموانىء الأوكرانية التي باتت خارجة عن الخدمة في معظمها، وأثر ذلك على سلاسل توريد السلع الغذائية الاستراتيجية. وأوكرانيا وروسيا من بين أكبر 5 دول مصدرة للحبوب في العالم، وتمثلان مجتمعتين أكثر من 30 بالمئة من صادرات القمح العالمية.
وروسيا هي أكبر مصدر للقمح عالميا بواقع نحو 37.5 مليون طن، فيما تحتل أوكرانيا المركز الخامس في التصدير بنحو 18 مليون طن.
ولذلك، فإن الأمن الغذائي العالمي بات على حافة الهاوية، بحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “الفاو”.
تعثر الإنتاج الأوكراني
ويقول تيمور دويدار، الخبير الاقتصادي والمستشار في قطاع الأعمال والاستثمارات لموقع “سكاي نيوز عربية”: “بفعل الحرب تعاني أوكرانيا الآن من نقص فادح في المحروقات والوقود، كما تنتشر الألغام في العديد من مناطقها ولا سيما تلك المشمولة بالحرب، والعديد من الموانىء مثل ماريوبول وبيرديانسك أصبحت تحت سيطرة روسي”.
وتابع: “ورغم أن هناك موانىء كأوديسا وازمايل وايلتشوكسف، لا زالت تعمل بشكل جزئي، لكن القدرة على الزراعة متعثرة وجني وحصد المحاصيل المزروعة متعثر كذلك ناهيك عن التصدير للخارج”.
أسعار نار
وتسبب الانخفاض الكبير في تصدير الحبوب من أوكرانيا، وفقا للخبير الاقتصادي، في ارتفاع أسعار سلع غذائية استراتيجية كالقمح بشكل خيالي حول العالم.
وقال: “وصل سعر الطن الواحد من القمح لأكثر من 400 دولار أميركي، وهو سعر باهظ ومكلف جدا، لا سيما بالنسبة للدول الفقيرة والنامية، وربما تعويضا عن النقص الحاصل في إنتاج وتصدير الحبوب ولا سيما القمح من كل من روسيا وأوكرانيا ستحاول كل من الولايات المتحدة وكندا التعويض عبر رفع الإنتاج من القمح، لكن مع ذلك فالأزمة مستفحلة وتهدد شعوب العالم في خبزها اليومي”.
بدوره، يقول الأكاديمي والخبير في الشؤون الأوكرانية خليل عزيمة لموقع “سكاي نيوز عربية”: “الحرب على أوكرانيا أثرت بشكل كبير جدا على الأمن الغذائي العالمي ككل كما هو معروف، خاصة من خلال محاصرة الموانىء الأوكرانية ولا سيما الميناء الرئيسي في مدينة ماربوبول وميناء أوديسا، وهذه الحرب أثرت سلبا بشكل عام على الملاحة الدولية والتجارية في البحر الأسود، حيث ثمة بواخر كثيرة عالقة وراسية كان مفترضا نقلها للذرة وغيرها من الغلال والسلع الغذائية للعديد من دول العالم، وحمولاتها معرضة للتلف بفعل توقف الملاحة على وقع الحرب”.
الدول الفقيرة تتضرر بشدة
ويضيف عزيمة أنه سيكون هناك :”نقص غذائي حاد خاصة في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وحتى في أوروبا ثمة تداعيات سلبية، لكن الدول الأوروبية لديها في المحصلة مصادر أخرى، بينما في آسيا وافريقيا مثلا فإن المنطلق والمصدر الرئيسي لتزويد غالبية دولهما بمواد أساسية كالقمح هي الموانىء الأوكرانية المعطلة الآن تقريبا، بل إن العديد من الدول في تلك المناطق بلغت مرحلة الخط الأحمر لجهة بدء نفاد مخزونها الاحتياطي من السلع والمواد الأساسية كالقمح”.
أما في أوكرانيا، يقول المتحدث :”فالمخزون الأساسي من الحبوب يكفي لعامين، وقد تم وقف تصدير السلع والمواد الغذائية حفاظا على أمن البلاد الغذائي المهدد في ظل الحرب، لكن الخطر الأكبر في هذا السياق سيطل برأسه العام القادم في ظل التوقعات التي تشير لعدم زراعة مساحات خصبة واسعة هذه السنة بأوكرانيا على وقع الحرب وظروفها القاهرة”.
ومَن يدفع الضريبة الأكبر جراء انقطاع امدادات الغذاء بسبب الحرب الأوكرانية، يختم الخبير في الشؤون الأوكرانية :”هم المواطنون في الدول الفقيرة محدودة الدخل والمتوسطة حول العالم، فيما الدول الغنية فستتمكن غالبا من توفير بدائل ومصادر أخرى لتأمين احتياجاتها في ظل الفجوة الغذائية العالمية التي أحدثتها هذه الحرب”.
وبلغت أسعار السلع الغذائية العالمية “أعلى المستويات على الإطلاق” في شهر مارس الماضي، في وقت عرقلت الحرب الروسية الأوكرانية صادرات القمح والحبوب والغلال حسب منظمة الفاو .
وارتفع مؤشر أسعار السلع الغذائية لدى المنظمة بنسبة 12.6 بالمئة بين شهري فبراير ومارس “في قفزة عملاقة إلى أعلى مستوى جديد منذ بدء العمل به في 1990”.
وعزت منظمة “الفاو” الزيادة بشكل أساسي إلى مؤشر أسعار الحبوب، الذي “سجل ارتفاعا بنسبة 17.1 بالمئة مقارنة بشهر فبراير الماضي، مدفوعا بالزيادات الكبيرة في أسعار القمح وكافة الحبوب الخشنة، ويرجع ذلك أساسا إلى الحرب في أوكرانيا”.
كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بسبب الزيوت النباتية التي قفز مؤشرها لدى منظمة الفاو بنسبة 23.2 بالمئة مدفوعا بارتفاع أسعار زيت عباد الشمس، الذي تعد أوكرانيا أكبر مصدر له في العالم.